الذكاءات المتعددة Multiple Intelligence

ظهرت الكثير من الدراسات التي حاولت تفسير ذكاء الإنسان إلا أن نظرية الذكاءات المتعددة كانت من أكثر النظريات التي فسرت الذكاء بشكل دقيق حيث جاءت نظرية الذكاءات المتعددة لتؤكد أننا لا نمتلك نوعًا واحدًا من الذكاء بل على العكس من ذلك فنحن نملك أنواع مختلفة من الذكاء لكن بدرجاتٍ متفاوتة. ذكرنا لكم في مقال كلنا أذكياء (1) أن عالم النفس هوارد غاردنر (Howard Gardner) وضح في نظريته أن للذكاء عشرة أنواع متعددة عرفناكم على ثمانية منها. ما رأيكم أن تشاهدوا هذا الفيديو الموجود على قناة (Practical Psychology) لتتذكروا هذه الأنواع الثمانية؟

والآن، لنتابع ما بدأناه في المقال السابق، فهذا المقال يعرفكم على النوعين الأخيرين من أنواع الذكاء في نظرية الذكاءات المتعدده لعالم النفس هوارد غاردنر (Howard Gardner) ليس ذلك فقط، بل يساعدكم على الاستفادة من هذه النظرية في غرفة الصفية، فهل أنتم جاهزون؟

ما هما الذكاءان العاشر والحادي عشر؟

الذكاء الوجودي (Existential Intelligence) والذكاء الوجداني (Emotional Intelligence)

لنبدأ بالذكاء الوجودي Existential Intelligence

القدرة على التأمل ووضع أسئلة حول الحياة والموت والقدرة على معالجة الأسئلة التي تتعلق بالوجود الإنساني. قد يبدو نوع الذكاء هذا عميقًا للغاية بالنسبة للبعض؛ فالقدرة على التعامل مع القضايا الوجودية تعتبر أيضًا من أنواع الذكاء. يتمتع أصحاب هذا النوع من الذكاء بالقدرة على الخوض في أسئلة جدية للغاية ممزوجة بحساسية عالية وشغف كبير للبحث عن إجابات عن هذه الأسئلة، فإذا وجدتم في الصف طلبة يمتلكون فضولًا كبيرة لأسئلة: لماذا نعيش؟ أو لماذا نموت؟ أو ما الذي سيحدث بعد الموت؟… إلخ، فاعلموا أن هؤلاء الطلبة من أصحاب الذكاء الوجودي.

يظهر الذكاء الوجودي بصورة عالية لدى المتدينين والفلاسفة.

ماذا عن الذكاء الوجداني Emotional Intelligence؟

القدرة على فهم مشاعركم ومشاعر ودوافع ورغبات ونوايا الآخرين، والهدف من فهم المشاعر سواء كان على مستوى الفرد نفسه أو المحيطين به هو إدارة هذه المشاعر المختلفة والتعامل معها جيدًا وغالبًا ما يكون أصحاب هذا النوع من الذكاء أشخاصًا حساسين يمتلكون نظرية إيجابية للأمور.

السؤال الآن، هل عرفتم من هم الأذكياء العاطفيين؟

هم أشخاص يفهمون أنفسهم جيدًا وما فيها من نقاط قوة وضعف ويتكيفون مع الظروف الاجتماعية الجديدة بسهولة ويستطيعون أن يتصدوا بقوة للضغوط الخارجية ويعرفون كيف يتعاملون معها بمرونة تجدونهم يفضلون العمل ضمن الفريق ويتفهمون مشاعر الآخرين ويحترمونها ويديرون الخلافات بنجاح. 

هل تعرفون أشخاصًا في حياتكم يتصفون بهذه الصفات؟

والآن، لنذهب معًا إلى غرفكم الصفية ولنفكر كيف يمكنكم الاستعانة بنظرية الذكاءات المتعددة والاستفادة منها في صفوفكم؟

من الضروري أن تدركوا جيدًا وجود العديد من أنواع الذكاءات داخل غرفكم الصفية حتى تستطيعوا التعامل معها وتكونوا قادرين على تطوير أنشطة تساهم في المحافظة عليها وتطويرها من خلال استخدام استراتيجيات التدريس المناسبة وإظهار المرونة في اختيار طريقة التعليم مما يؤدي إلى تنمية وتطوير أنواع الذكاءات المختلفة لدى طلبتكم.

كيفية التعامل مع الذكاءات المختلفة 

نلخص لكم الإطار العريض للتعامل مع الطلبة ذوي الذكاءات المختلفة في النقاط الآتية:

  • الطلبة ذوي الذكاء اللغوي: لتنمية هذا النوع من الذكاء لا بد من توفير بيئة صفية يُعبّر فيها الطلبة عن القدرات اللغوية الموجودة لديهم كالقراءة الجهرية والحوارات والنقاشات وتصميم مهام وأنشطة يُمارس فيها الطلبة مواهبهم في تنظيم المعلومات وكتابة القصص والروايات.
  • الطلبة ذي الذكاء المنطقي: لتنمية هذا النوع من الذكاء يُفضل إعطاء الطلبة الفرصة لتطبيق ما يتعلموه في عالمهم الحقيقي وذلك بإعطائهم الفرصة لإنجاز مشاريع لتجريب واختبار ما يتعلموه وتقديم بعض المسائل الحسابية والمهمات التي تتطلب الاستنتاج وحل المشكلات وإيجاد العلاقات وحل الألغاز.
  • الطلبة ذوي الذكاء الموسيقي: لتنمية هذا النوع من الذكاء لا بد من تشجيع الطلبة على شرح معلوماتهم عن طريق غنائها وتلحينها أو استخدام المؤثرات الصوتية الملائمة لشرح موضوع معين والاستعانة بالأدوات الموسيقية قدر الإمكان عند تنفيذ مهمة ما.
  • الطلبة ذوي الذكاء البصري: لتنمية هذا النوع من الذكاء لا بد من إثراء بيئتكم الصفية بالأفلام والخرائط وأشرطة الفيديو كما يجب عليكم الإكثار من الأسئلة الصفية التي تجعل الطلبة يُمعنون في الخيال كالأسئلة الافتراضية التي تبدأ بـ(ماذا لو؟) بالإضافة إلى تصميم مهمات تُحفز الطلبة على استخدام المخططات والصور والفيديو والرسم.
  • الطلبة ذوي الذكاء الحركي (الرياضي): لتنمية هذا النوع من الذكاء يُفضل إعطاء الطلبة الفرصة للتطبيقات العملية والعمل على تنفيذ المشاريع وعمل النماذج وتصميم المهمات والأنشطة التي تتعلق بتمثيل الأدوار وعمل التجارب والدراسات الميدانية.
  • الطلبة ذوي الذكاء الاجتماعي: لتنمية هذا النوع من الذكاء لا بد من تصميم المهام والأنشطة الاجتماعية التي تُشجع الطلبة على العمل الجماعي والتعاوني وتبادل الآراء.
  • الطلبة ذوي الذكاء الذاتي (الشخصي): لتنمية هذا النوع من الذكاء لا بد من تشجيع التلاميذ على التأمّل الذاتي في تصرفاتهم وأعمالهم ومنتجاتهم اليومية.
  • الطلبة ذوي الذكاء الطبيعي: لتنمية هذا النوع من الذكاء يُفضل استخدام الرسوم والصور والنماذج الطبيعية والمجلات الخاصة بالطبيعة واستخدام البرامج الوثائقية والفيديوهات واستخدام النشاطات مثل المشي في الطبيعة والزيارات عن قرب وتفعيل الحواس وتسخيرها لملاحظة الظواهر الطبيعية وتصنيفها.
  • الطلبة ذوي الذكاء الوجودي: لتنمية هذا النوع من الذكاء لا بد من تصميم المهام والأنشطة التي تُشجع الطلبة على التأمل في الكون وطرح أسئلة جدية وعميقة تتطلب التفكير العميق للإجابة عنها.
  • الطلبة ذوي الذكاء الوجداني: لتنمية هذا النوع من الذكاء لا بد من تصميم المهام والأنشطة التي تتطلب العمل الجماعي وتصميم سيناريوهات متنوعة تتطلب من طلبتكم الإحساس بالمشكلة وتوضيح كيفية التعامل معها.

الموهبة وعلاقتها بالذكاء

الموهوبين هم من تفوقوا في قدرتين أو أكثر من القدرات الخاصة، وقد اعترض البعض على استخدام هذا المصطلح في مجال الإبداع والتفوق العقلي على أساس أن الاستخدام الصحيح لمفهوم الموهبة يقصد به الوصول في الأداء إلى مستوى مرتفع في مجال من المجالات غير الأكاديمية وقديمًا كانت الموهبة تعتبر بعيدة الصلة عن الذكاء، فالمواهب قدرات خاصة ذات أصل فطري وتكويني لا ترتبط بذكاء الأفراد بل على العكس من ذلك قد نجد بعضها لدى المتخلفين عقليًا أو المتعثرين دراسيًا. وهكذا كانت الموهبة تستخدم لتدل على مستوى أداء يصل إليه فرد من الأفراد في مجال لا يرتبط بالذكاء.

ومع تطور العلم وتقدمه وجدت العديد من الأبحاث العلمية الحديثة فتغيرت النظرة إلى العلاقة بين الموهبة والذكاء حيث انتشر  بين علماء التربية وعلماء النفس آراء تنادي بأن المواهب لا تقتصر على جوانب معينة بل تتناول مجالات الحياة المختلفة وأنها تتكون بفعل الظروف البيئية التي تقوم بتوجيه الأقراد إلى استثمار ما لديهم من ذكاءات في هذه المجالات من هنا نجد أن الموهبة سواء كانت في الغناء أو الأدب أو الشعر أو الرياضة أو العلوم… إلخ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمستوى ذكاء الفرد أو بمستوى قدرته العقلية العامة.

في هذا المقال تأكدتم أن قوة العقل البشري لا يستهان بها وأن مفهوم ذكاء الإنسان واسع ويشمل العديد من القدرات ولا ينحصر بنوع واحد ومعين، و بوجود نظرية كنظرية الذكاءات المتعددة تستطيعون بعث روح جديدة في صفوفكم الدراسية وتذكروا دائمًا أن الذكاء يقود إلى الموهبة وأن الموهبة ليست حكرًا على أحد وأن البشر جميعًا أذكياء وأن كلًا منا قد خُلِق وفي داخله طاقات تجعل منه شخصًا مميزًا إن هو أحسن استخدام هذه الطاقات ووظفها بشكل مناسب، ولا تنسوا أن جميع طلبتكم أذكياء لكن بطرق مختلفة؛ لأنه لا توجد قوانين تحدد الخصائص التي يجب تتوافر في الطلبة حتى يتم اعتبارهم أذكياء في مجال معين فقد تتعاملون مع طالبة غير قادرة على القيام بالعمليات الحسابية بسرعة مثلًا ورغم ذلك تجدونها تتمتع بقدرة لغوية عالية تساعدها على سرد القصص بطريقة ممتعة ومميزة، وقد لا يجيد طالبٌ آخر القراءة ومع ذلك تجدونه يمتلك من الذكاء الجسمي الحركي ما يجعله يستطيع القيام بالتمارين الرياضية بدقة عالية جدًا، فالذكاءات المتعددة وجدت لإتاحة الفرصة لجميع الطلبة على إظهار ما يتميزون به من ذكاءات ومواهب بطرق متنوعة لذلك لا تجعلوا الذكاء الأكاديمي معياركم الوحيد في الحكم على ذكاء طلبتكم.

[read more]

المراجع

[/read]

أحدث المواضيع