تأملوا معي المقولة الآتية: “إن أعظم المؤسسات نجاحًا في القرن الحادي والعشرين ستكون ما يُطلق عليها اسم المؤسسة المتعلمة.” نعم، المؤسسة المتعلمة! هل سبق وسمعتم بالمؤسسة اﻟﻣﺗﻌﻠﻣﺔ؟ ماذا يخطر ﻋﻠﻰ بالكم؟
بالتأكيد يتبادر إلى أذهان البعض منكم أن المؤسسة المتعلمة تمثل مفاهيم مثل مجتمع التعلم والتحسين والتعلم المستمر وغيرها من المفاهيم ذات العلاقة، وهذا صحيح إذ أن وجود ثقافة التعلم والتحسين المستمر والقدرة على تحديد نقاط الضعف والعمل ﻋﻠﻰ معالجتها وكذلك القدرة ﻋﻠﻰ مواكبة المستجدات ومُتغيّرات العصر جميعها تُسهم في وصول المؤسسة أو اﻟﻣﻧظﻣﺔ إلى أن تكون مؤسسة (منظمة) متعلمة، والمؤسسات المتعلمة هي أحد أدوات التغيير الأفضل ﻓﻲ هذا العصر. مقال اليوم يُعرفكم أكثر ﻋﻠﻰ المؤسسة المتعلمة وكيف تصبح مدارسكم مؤسسة متعلمة، حيث يتناول المقال مفهوم المؤسسة المتعلمة ومواصفاتها، وسنبدأ في تناول مكونات المؤسسة المتعلمة وأدوات تنفيذها، ثم نستكمل معكم في المقال القادم المكونات المتبقية للمؤسسة المتعلمة.
ما المقصود بالمؤسسة المتعلمة؟
يشير هذا المفهوم إلى المؤسسة التي يوسِّع فيها الأفراد باستمرار من قدراتهم ﻋﻠﻰ إيجاد النتائج التي يريدونها فعلًا ويتم فيها تطوير أنماط جديدة وشاملة ﻣن التفكير، ويُطوِّر العاملون فيها طموحات مشتركة يسعون لتحقيقها، وفيها يتعلم الأفراد باستمرار كيف يمكن أن يتعلموا معًا.
لكن قبل التعرف أكثر على اﻟﻣؤﺳﺳﺔ المتعلمة من حيث مكوناتها وأدواتها، دعونا نتعرف من أين جاءت فكرت المؤسسة المتعلمة (التعلم المؤسسي) وإلى ماذا يشير هذا المفهوم؟
يعد بيتر سنج (Peter Senge) مُبتكر مصطلح المؤسسة المتعلمة حيث أكد في كتابه (The Fifth Discipline) على:
- دور مؤسسات القطاع الصناعي والتجاري في التكيّف مع التطورات الحديثة في عالم مليء بالتغيير والفوضى.
- القدرة على مواكبة عجلة التقدم العالمي.
- زيادة القدرة التنافسية بهدف التحول إلى مؤسسات تعليمية وتعلّمية من خلال توفير فرص التعلم المستمر واستخدامه بشكل عملي في تحقيق النتائج التي يرغبون فيها.
- ربط أداء العاملين بأداء المنظمات والمؤسسات.
- تشجيع البحث والحوار والمشاركة والإبداع، كمصدر للطاقة والتفاعل مع البيئة.
ثم انتقلت فكرة المؤسسة المتعلمة من قطاع الصناعة والتجارة إلى قطاع المؤسسات التربوية وأصبح ﻣن الضروري أن تتحول المدارس إلى مدارس متعلمة لتكون لديها القدرة على ممارسة التعلم بشكل مستمر والقدرة على البقاء والمنافسة ومواجهة التحديات والتكيّف مع المتغيرات والمستجدات العالمية.
خصائص ومواصفات المؤسسة المتعلمة
- تُوفِّر فرصًا مستمرة لتعلم جميع أفرادها.
- تعتبر اﻟﺗﻌﻟم طريقًا للوصول إلى أهدافها.
- تربط بين أداء الفرد وأداء المؤسسة.
- تُشجِّع أفرادها على الاستقصاء والحوار واﻟﺗﻌﻠم.
- تعتبر التوتر الخلاّق مصدرًا أساسيًا للطاقة والتجديد والحفاظ على بقاء المؤسسات التعليمية.
- تتفاعل مع بيئة المجتمع الذي تعيش فيه.
كيف تتعلم المؤسسة المتعلمة؟
يسير عمل المؤسسة المتعلمة (المنظمة المتعلمة) ﻓﻲ حلقة دائرية تتمثل بالخطوات الآتية:
- اكتساب أفكار ومعارف جديدة وتعلمها.
- تحويل ونقل تلك المعرفة إلى جميع أطراف العملية التعليمية.
- تبادل الأفكار والمعلومات والمعارف بين أعضاء المؤسسة.
- قياس نتائج التطورات والتغيرات.
الآن، بعد أن تعرفتم على خصائص ومواصفات المؤسسة اﻟﻣﺗﻌﻠﻣﺔ وكيف تتعلم، هل تستطيعون الحكم على مدارسكم ومعرفة ما إذا كانت تعد مدرسة ومؤسسة ﻣﺘﻌﻠﻤﺔ أم لا؟ إذا لم تصل مدارسكم بعد إلى أن تكون ضمن المؤسسات أو المنظمات المتعلمة استمروا معنا ﻓﻲ قراءة المقال للتعرف على مكونات وأبعاد المؤسسة ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ وأدوات الوصول إليها للعمل على تبنيها والتحول نحوها.
مكونات المؤسسة المتعلمة
- التفكير النظامي (System Thinking)
- الرؤية المشتركة (Shared Vision)
- التمكّن الشخصي (Personal Mastery)
- النماذج الذهنية ((Mental Model
- التعلّم الجماعي Team Learning))
سنتناول في هذا المقال التفكير التنظيمي والرؤية المشتركة وسيتم تناول التمكّن الشخصي والنماذج الذهنية والتعلم الجماعي في مقال لاحق.
أولاً: التفكير النظامي
قدرة المدراء والمعلمين والهيئة الإدارية على فهم العلاقات المتشابكة في عملية التعلم وفهم تأثير هذه العلاقات على عملية التعلّم داخل المدرسة وعلى البيئة المحيطة ﻣﻦ أجل اتخاذ قرارات تُساهم في إحداث التغيير المطلوب في العملية التعليمية التعلّمية.
أدوات تطوير التفكير النظامي
تُساعد الأدوات الآتية على ﺑﻧﺎء وتطوير التفكير النظامي في المدرسة وهي:
- أسئلة لماذا الخمسة (Five Whys)
استراتيجية تهدف إلى الوصول إلى أسباب المشكلة وجذورها عند النظر إلى أي مشكلة أو ظاهرة تواجه المدرسة ويتم تطبيقها بواسطة مشاركة جميع أعضاء المدرسة، وتُساعد هذه الأداة على النظر إلى المشكلة بصورة شاملة وكليّة أكثر من مجرد النظر إلى أجزائها.
طريقة استخدام الأداة
تستخدم هذه الأداة من أجل التوصل إلى أسباب وجذور المشكلة والاستمرار في تقديم الحلول المناسبة لها من خلال طرح سؤال لماذا خمس مرات متتالية حيث يتم شرح وتحليل الوضع المراد تحسينه ودراسة جميع المتغيّرات والعوامل التي مرت بها المدرسة وإيجاد العلاقات فيما بينها، وتمر عملية توظيف هذه الأداة في ثلاث مراحل أساسية هي:
يتم في هذه المرحلة توضيح وتحديد المشكلة المراد تحليلها ومعرفة ماهيتها، وتحديد المجموعة التي ستشارك في جلسة التحليل ويُراعى عند اختيار المجموعة أن تكون ممثّلة لمجتمع المدرسة والمجتمع المحيط (إداريين ومعلمين وطلبة وأولياء أمور ومؤسسات المجتمع المحلي)، ويتم في هذه المرحلة أيضًا تحديد موعد جلسة العمل ومكانها واختيار مُيسِّر لجلسة النقاش.
يعمل أعضاء المجموعة على تنفيذ الجلسة التي تم التخطيط لها.
يتم في هذه المرحلة تحديد الأسباب الرئيسة للمشكلة التي تم الاتفاق عليها في مرحلة التنفيذ وإعداد خطة إجرائية تشتمل على جميع أجزاء هذه المشكلة ضمن إطار علاجي وتحسيني.
- خارطة العمليات (Process Map)
يشير مفهوم خارطة العمليات إلى خارطة يتم تصميمها لإظهار جميع الخطوات ذات العلاقة بعملية معينّة أو وضع ما مرغوب في تحسينه بالإضافة إلى تحديد الأعضاء المشاركين، وتُساعد هذه الأداة على الحصول على فهم أوضح لكيفية عمل الأجزاء والمكوّنات مع بعضها البعض ليتم تحديد نقاط التحسين والتطوير، وينبغي عند رسم هذه الخارطة الأخذ بعين الاعتبار رسم جميع الأجزاء والمكوّنات للعملية بالإضافة إلى الأعضاء المشاركين فيها من المدرسة.
طريقة استخدام الأداة
تجمع هذه الأداة بين المعلومات وبين الأفراد ذوي العلاقة بالعملية أو المشروع المراد تحسينه ودراسته من أجل تحديد طريقة التحسين والتطوير، وتمر عملية توظيف هذه الأداة في ثلاث مراحل أساسية كالآتي:
يتم فيها التواصل مع جميع أعضاء الفريق المدرسي ذوي العلاقة بالعملية أو الوضع المراد تحسينه ودعوتهم إلى جلسة من أجل رسم خارطة للعملية أو الوضع المراد تحسينه، ويتم في هذه المرحلة أيضًا تحضير لوحة كبيرة ذات حجم
مناسب للرسم والكتابة.
يتم في هذه المرحلة تحديد الخطوات أو الأنشطة والإجراءات الرئيسة في العملية أو الوضع المراد تحسينه وكتابتها في أعلى اللوحة وفي الجانب الأيسر من اللوحة يتم كتابة جميع أعضاء الفريق المدرسي ذوي العلاقة بالعملية أو الوضع المراد تحسينه، وفي أسفل اللوحة يتم رسم خط زمني للفترة الزمنية للعمل على العملية أو الوضع المراد تحسينه.
يطلب المُيسِّر من المجموعة كتابة تفاصيل كل إجراء أو خطوة في العملية أو الوضع المراد تحسينه والفترة الزمنية لتنفيذ هذه الخطوة على ورق أصفر، ووضع إشارة بلون أحمر لتحديد الخطوات التي لم يتم تنفيذها خلال الفترة الزمنية المحدّدة والصعوبات التي تم مواجهتها أثناء التطبيق، ويطلب المُيسِّر من المجموعة تحديد هذه التحديات والصعوبات بشكل مفصّل لأنها ستشكِّل نقاط تحسين في مراحل لاحقة.
يتم في هذه المرحلة ذكر طرق مقترحة لتحسين العملية أو الوضع المراد تحسينه على صعيد الخطوات المتّبعة والأفراد مما يعني العمل على تنفيذ إجراءات التحسين بشكل فوري.
ثانياً: الرؤية المدرسية المشتركة
الصورة الجماعية التي يمتلكها المدراء والمعلمون والإداريون في المدرسة لما ستكون عليه مدرستهم في المستقبل لتوجيه جميع الخطط والإجراءات نحو تحقيق هذه النظرة المستقبلية. لذا يجب أن تملك كل مدرسة رؤيتها الخاص التي تمكنها من مواكبة التطورات وتحقيق أهدافها المستقبلية.
أدوات تطوير الرؤية المدرسية المشتركة
تُساعد الأدوات الآتية على تطوير الرؤية المشتركة في المدرسة وهي:
- ثلاثون دقيقة مُخصّصة للفريق (The Team’s 30 Minutes)
طريقة يتم من خلالها دعوة جميع الأفراد لتطوير رسالتهم الشخصية التي تنبثق من رسالة مدرستهم وتُسهم في تحقيق رؤيتها، وتساهم هذه الأداة في تعريف جميع الأفراد برؤية المدرسة وإسهاماتهم في تحقيقها على الشكل الأفضل.
طريقة استخدام الأداة
تُساعد هذه الأداة على إيجاد روابط بين رسالة ورؤية المدرسة ورسالة كل فرد فيها، وذلك من خلال تطوير رسالة مشتركة وجماعية من قبل جميع الأفراد، ويستطيع كل فرد من خلال هذه الرسالة المشتركة أن يرى كيف يُساهم أداؤه لعمله اليومي في تحقيق رؤية المدرسة ورسالتها، وتمر عملية توظيف هذه الأداة في ثلاث مراحل أساسية هي:
يتم في هذه المرحلة إعداد رؤية المدرسة وكتابتها بشكل واضح على لوحة وتعليقها في مكان بارز في مكان انعقاد الجلسة، كما يتم دعوة جميع الأفراد للحضور من أجل كتابة رسالة مشتركة تُساهم في تحقيق رؤية المدرسة.
يتم في هذه المرحلة الطلب من كل فرد كتابة رسالته الخاصة، ويقوم المُيسِّر بقراءة رسالة كل فرد أمام الجميع وتحديد الفكرة الرئيسة فيها، ثم يتم تجميع الأفكار جميعها وصياغتها في رسالة واحدة مشتركة من قبل جميع الأفراد المشاركين بحيث تتضمن الرسالة الأخيرة المشتركة أفكار كل فرد مشارك في صياغة الرسالة.
يتم في هذه المرحلة كتابة جملة الرسالة المشتركة في مكان بارز ويُطلب من الجميع التوقيع عليها.
- ميثاق الفريق (Team Charter)
أداة تُساعد على تحديد طريقة عمل أعضاء المدرسة مع بعضهم البعض من خلال تحديد القيم ومعايير الأداء المرغوبة في المدرسة، ويتم من خلال هذه الأداة بناء روح الفريق والحماس نحو تحقيق أهداف المدرسة، وتُساهم هذه الأداة في تحسين وتطوير معايير أداء مُحدّدة يتم من خلالها قياس التقدّم في التنفيذ والإنجاز.
طريقة استخدام الأداة
تُساعد هذه الأداة على رؤية الصورة الكبيرة لعمل المدرسة والقيم المرغوبة ومعايير الأداء المرغوب بتطبيقها في المدرسة، وتمر عملية توظيف هذه الأداة بثلاث مراحل أساسية هي:
يتم في هذه المرحلة اختيار مُيسِّر للجلسة وتحديد الأفراد المشاركين فيها.
يقوم المُيسِّر بتحديد الأمور المراد مناقشتها كالآتي:
- رسالة المدرسة
- القيم المرغوبة
- معايير الأداء
- ميثاق الشرف
- الأدوار والمسؤوليات الإدارية الفنية
- بروتوكولات الاجتماعات
- أهداف التحسين
يتم في بداية الجلسة القيام بعملية عصف ذهني لمناقشة الأمور السابقة للوصول إلى أرضية مشتركة، ومن ثم يتم تحديد التفاصيل المرغوب بها في كل أمر من الأمور السابقة وكتابتها بشكل واضح ومتفق عليه من قبل الجميع.
يتم في هذه المرحلة كتابة تفاصيل الأمور السابقة وتوزيعها على جميع المشاركين ومن ثم يعمل فريق المشاركين على مراجعة تطبيقها بعد 6 أشهر.
في النهاية، دائمًا ما تبدأ النجاحات بخطوات صغيرة ومحفزة، ومن خلال هذه المكونات والأدوات تستطيعون تحويل مدارسكم نحو المدارس ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ، لذا ندعوكم للبدء بهذا الطريق والعمل على تطبيق ما قرأتموه في هذا المقال وانتظرونا في المقال اللاحق مدرستي المتعلمة/2 لنعرفكم على باقي المكونات وأدواتها.