مما لا شك فيه أن تنمية مهارات التفكير العليا لدى الطلاب ضرورة وحتمية لأن مهارات التفكير ولا سيما العليا منها واحدة من أهم المهارات التي ينبغي ﻋﻠﻰ طلبتكم اكتسابها في هذا العصر المعرفي في القرن الحادي والعشرين لما لها من أهمية بالغة في رفع تحصيلهم وتحسين أدائهم ومساعدتهم على التعامل في حياتهم الشخصية والمهنية في المستقبل كنا قد عرفنا سابقًا مفهوم ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺭ بأنه عملية ذهنية تعتمد على العديد من الجوانب ويتكون من مجموعة من الخطوات المترابطة مع بعضها البعض ولذلك تعتبر مهارة التفكير من أكثر العمليات تعقيدًا حيث تتم هذه العملية في المخ بعد أن يتم حدوث التفاعل بين الإحساس والذكاء.
أشرنا سابقًا في مقال هل يصلح بلوم للأسئلة الصفية؟ إلى أن مهارات التفكير الدنيا تقسم إلى ثلاثة مستويات حسب تصنيف بلوم (Bloom Taxonomy) وتشمل التذكر والفهم والتطبيق، أما مهارات التفكير العليا فتنقسم إلى ثلاثة مستويات متقدمة تشمل التحليل والتقويم والابتكار جميع هذه المستويات تظهر في عملية التعليم.
هل ترغبون بالانتقال بطلبتكم من مهارات التفكير الدنيا إلى مهارات التفكير العليا؟
هل ترغبون أن يمتلك طلبتكم مهارات التفكير اللازمة للتعلم والعمل في القرن الحادي والعشرين؟
إذا كانت إجابتكم نعم، فأنتم حتمًا تقرأون المقال المناسب.
هيا بنا.
كيف يمكن الانتقال من مهارات التفكير الدنيا إلى مهارات التفكير العليا؟
يجيبكم كل من جودسون وروهاني وكينغ (King Goodson, Rohani and) عن هذا السؤال، حيث يقدم لكم هذان التربويان إطارًا عمليًا لكيفية الانتقال بطلبتكم من مهارات التفكير الدنيا إلى مهارات التفكير العليا ذلك تبعًا لثلاثة مستويات يمكن توضيحها على النحو الآتي:
المستوى الأول: المتطلبات السابقة
يتضمن هذا المستوى مهارات بسيطة أساسية للتفكير تشكل قاعدةً لما يأتي من مهارات متقدمة، ومن أبرز هذه المهارات جمع البيانات وتصنيفها وتفسيرها وفهمها، فيبدأ الطلبة مثلًا في هذه المرحلة باكتساب مفاهيم ومعاني محتوى التعلم وإيجاد العلاقات بينها لتتشكل لديهم المعرفة ثم يتعمق فهمهم لهذه المعرفة عند استخدام حواسهم وعند تركيز انتباههم لإدراك الأمور حسب خصائصها وحسب السياق المطروحة فيها ليتم تخزينها في الذاكرة بصورة تُسهل على الطلبة استرجاعها عند الحاجة.
من الجدير بالذكر أنه قد يطرأ على محتوى التعلم وسياقه تغييرات عديدة، ومن هنا ينبغي على المعلم بناء اتجاهات مرنة تسمح لطلبة الصف بالتعديل والحذف والإضافة على مخزونهم المعرفي من أجل تيسير انتقالهم إلى مستويات متقدمة في التفكير، كما ينبغي على المعلمين أيضًا إخراج طلبتهم من جمود “هكذا قال لي معلمي أو معلمتي !” ومساعدتهم على التحديث والبناء على ما سبق.
سنوضح لكم المستوى الأول من خلال المثال الآتي:
يقدم المعلمون الحروف (ز، ر، ع) وخصائصها من شكل وصوت ضمن سياق (زرع الفلاح القمح) لتكوين المعرفة حول الفعل (زرع) ومعناه، ويُتيح المعلمون لطلبتهم المجال لاستخدام ذات الحروف لتكوين كلمات مختلفة كتابةً أو لفظًا، وهذا يفتح المجال أمام الطلبة لتطوير معرفتهم واستيعاب عدد أكبر من الكلمات المختلفة.
المستوى الثاني: الجسور
يتهيأ طلبتكم في هذا المستوى لربط التعلم الحالي بالتعلم السابق من خلال روابط معرفية مثل علاقات السبب والنتيجة أو من خلال روابط أدائية مثل النموذج والتطبيق، لذا ينبغي عليكم تصميم الأنشطة التعليمية التي تتطلب استحضار التعلم السابق وربطه بالتعلم الحالي ضمن سياق واقعي ذلك لتدريب طلبتكم على أن خبراتهم المعرفية هي خبرات تراكمية.
ما رأيكم أن نوضح هذا المستوى من خلال مثال؟
يقدم المعلمون نموذجًا للقراءة الجهرية من خلال قراءة جملة أو اثنتين من بداية أحد نصوص القراءة ويبينوا تهجئة ولفظ الحروف والكلمات (مثلًا التركيز على مواقع الهمزة والشدة والمد والتنوين وغيرها…) ثم يُشرك المعلمون طلبتهم تدريجيًا أثناء القراءة ويوجهونهم بناءً على أسس (استراتيجيات) تطبيق تهجئة ولفظ الحروف والكلمات بالتركيز على مواقع الهمزة والشدة والمد والتنوين وغيرها…
المستوى الثالث: مهارات التفكير العليا
يتم تطوير تفكير الطلبة في هذا المستوى بحيث يتمكنون من تطبيق التعلم في مواقف واقعية، فعند انخراط الطلبة في الأسئلة التي تربط بين نقاط التعلم وحياتهم الاجتماعية والواقعية فإنهم يستحضرون تعلمهم السابق وميولهم الشخصية تجاه الموقف الواقعي من أجل تحديد معايير تساعدهم على التعامل مع هذا الموقف مما يقودهم إلى تنمية مهارات التفكير الناقد ومهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات بالإضافة إلى مهارات التفكير الإبداعي. وتساعد هذه التجربة طلبتكم على تكوين أفكار نيرة وافتراضات محتملة وقرارات صائبة وحلول مبتكرة واكتشافات فريدة وأداءات متقنة وغيرها الكثير، لذلك عليكم أعزاءنا المعلمين تكثيف عمليات دمج طلبتكم في تمارين التأمل والبحث والتقصي في شتّى المواقف حتى يسهل عليهم الانتقال بين مهارات ومستويات التفكير بسلاسة.
إليكم مثالاً على المستوى الثالث والأخير:
يطرح المعلمون مقدمة لقصة معينة واقعية مرتبطة بحياة الطلبة، ويتوقفون بعد المقدمة ليقوم الطلبة بالعمل بشكل فردي أو ضمن مجموعات على كتابة باقي القصة وما تتضمنه من أحداث وفقًا لتوقعاتهم وتخيلاتهم لهذه الأحداث بحيث ينتج عدة قصص من الطلبة أو المجموعات جميع هذه القصص ببداية واحدة. يكون دور المعلمون هنا إرشادي فقط بحيث يحفزون الطلبة على التوقع بناءً على نظرتهم لمقدمة القصة وكيف يرغبون في إكمالها.
بالتأكيد تلاحظون أن جميع الأمثلة السابقة هي لمادة اللغة العربية إلا أنكم تستطيعون الاستفادة منها والقياس عليها في المواد الأخرى المختلفة التي تقومون بتدريسها.
سنختتم معكم هذا المقال بمجموعة من الأنشطة التي تهدف إلى تنمية مهارات التفكير العليا لدى طلبتكم التي حتمًا ستنال إعجابكم ولكم الحرية التامة في توظيف هذه الأنشطة في أي مادة تعليمية تقومون بتدريسها.
أمثلة على أنشطة تهدف إلى تنمية مهارات التفكير العليا لدى الطلبة
هناك العديد من الأنشطة والأدوات والاستراتيجيات المستخدمة في تدريس طلبتكم والتي تهدف إلى تنمية مهارات التفكير لدى الطلبة لا سيما العليا منها، إليكم أربعة أنشطة يمكنكم استخدامها في غرفكم الصفية:
رسائل من القلب Letters from the Heart
يهدف هذا النشاط إلى تعزيز وتنمية مهارات التحليل والتقويم والابتكار لدى طلبتكم عن طريق كتابة رسالة بطريقة إبداعية يتواصل من خلالها الطالب أو الطالبة (المرسل) مع المستهدف من الرسالة (المستقبل) كأن يكتب الطلبة مثلًا رسالة إلى شخصية معينة تحددونها أنتم بحيث تكون هذه الشخصية مرتبطة بمحتوى التعلم، قد تكون هذه الشخصية مثلًا المؤلف أو الباحث أو شخصية تاريخية أو عالم. يوجه الطلبة من خلال هذه الرسالة فكرة معينة لهذه الشخصية كما يمكن لطلبتكم تقمص شخصية معينة عند كتابة الرسالة.
رسم الاستنتاجاتDrawing Inferences
يهدف هذا النشاط إلى تنمية ﻣﻬﺎرات التحليل والتقويم والابتكار لدى ﻁﻠﺒﺔ الصف عن طريق الرسم، حيث يقوم الطلبة بإنتاج لوحة فنية أو رسم كاريكاتوري أو شكل إيضاحي يعبرون من خلاله عن استنتاجاتهم حول مادة التعلم. كما يمكن للطلبة العمل في مجموعات صغيرة أو زوجية لتبادل الاستنتاجات حول تفسير تلك الرسومات ثم الطلب من كل مجموعة إعادة الرسم بإيضاح أكبر لبعض الخصائص.
وجهة نظر الآخرين Others’ Viewpoints
يهدف هذا النشاط إلى تنمية مهارات التحليل والتقويم لدى طلبتكم عن طريق مناقشة قضية مرتبطة بمحتوى التعلم من عدة وجهات نظر، حيث يقوم الطلبة بشكل فردي أو ضمن مجموعات بكتابة وجهة نظرهم تجاه هذه القضية وأسباب تبني وجهة النظر هذه، ثم يتبادل الطلبة الإجابات ليعرض كل طالب أو طالبة أو كل مجموعة وجهة نظر زميله أو زميلته أو وجهة نظر المجموعة الأخرى أمام الطلبة.
يهدف هذا النشاط إلى تنمية مهارة التحليل والتقويم والابتكار لدى طلبتكم من خلال مناقشة الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية والجوانب المثيرة للاهتمام في قضية معينة مرتبطة بمحتوى التعلم، ثم اتخاذ القرار المناسب بقبول أو رفض هذه القضية.
إن توظيفكم لهذه الأنشطة أمر أساسي في تنمية مهارات التفكير لدى الطلاب فهي سهلة الإعداد والتطبيق كما تستطيعون أن تصمموا أنشطتكم الخاصة بكم لتنمية وتطوير مهارات التفكير العليا لدى الطلبة بكم وبطلبتكم وأيضًا تستطيعون الرجوع إلى مدونة الكادر العربي والاستفادة من الأنشطة الواردة فيها ولا تنسوا أن تشاركوا زملائكم هذه الأنشطة.
إبراهيم، مجدي عزيز (2015). التدريس الابداعي وتعليم التفكير. ط 1. عالم الكتاب. القاهرة.
شوارتز، روبرت وبارآس، ساندرا (2015). دمج مهارات التفكير الناقد والإبداعي. دليل تصميم الدروس. ترجمة: عماد أحمد وفاطمة البلوشي. مركز إدراك. الإمارات العربية المتحدة.
