كثيرًا ما نسمع بالتفكير الناقد والتفكير الإبداعي لكن هل سبق وسمعتم بمصطلح ما وراء المعرفة أو ما يسمى بـ metacognition؟
لعلكم تتساءلون ما هو التفكير ما وراء المعرفي؟ هل ينبغي علينا تنميته لدى الطلاب؟ كيف يمكننا تطبيقه في التعليم؟
فكروا قليلًا في الأسئلة الآتية:
ماذا تفعلون عندما تصادفكم مشكلة؟ تبدأون في البحث عن حل لهذه المشكلة، أليس كذلك؟ كيف؟
هل تفكرون في الطرق الممكنة لحل هذه المشكلة والمهارات اللازمة لتجاوزها؟
هل تختارون استراتيجية أو طريقة معينة لحل هذه المشكلة دون غيرها؟
هل تتأملون خطوات الحل ثم تبدأون بحل المشكلة بناءً عليها؟
هل تعيدون النظر في خطواتكم لحل المشكلة وتفكرون بحلها بواسطة طرق أخرى؟
إجاباتكم عن الأسئلة السابقة تحدد ما إذا كنتم تمارسون مهارات التفكير ما وراء المعرفي أم لا، حيث يشير علم النفس إلى حقيقة مهمة جدًا وهي أن عملية التفكير في التفكير هي أساس التفكير ما وراء المعرفي والقدرة على التعلم وإكساب الخبرات واتخاذ القرارات المناسبة لحل المشكلات المختلفة.
ما رأيكم أن تتعرفوا أكثر على مفهوم التفكير ما وراء المعرفي وخصائصه وأهمية تنمية هذا النوع من التفكير لدى طلبتكم ومراحل توظيفه في غرفكم الصفية؟
هذا المقال سيضيف إلى جعبتكم المعرفية الكثير، ننصحكم بقراءته.
مفهوم التفكير ما وراء المعرفي
ظهر مفهوم التفكير ما وراء المعرفي بداية السبعينات ليضيف بعدا جديدا ويفتح أبوابًا جديدة لطبيعة التفكير حيث يُعرّف التفكير ما وراء المعرفي على أنه مستوى وعي الشخص بمعرفته – ما يعرفه وما لا يعرفه – وقدرته على فهم العمليات المعرفية والتحكم فيها والتلاعب بها، بالإضافة إلى قدرته على استخدام المعرفة السابقة لتوظيف الاستراتيجيات المختلفة للتعامل مع مهمات التعلم المتنوعة، واتخاذ الخطوات اللازمة لحل المشكلات والتفكير في النتائج وتقييمها وتعديل نهجها حسب الحاجة.
ما رأيكم أن نُبسّط لكم مفهوم التفكير ما وراء المعرفي أكثر؟
ببساطة، إن ما وراء المعرفة تعني أن نكون أكثر وعيًا لعملية تفكيرنا عند تأدية أي مهمة، وبعد تأديتها نستخدم هذا الوعي لضبط ما قمنا بعمله أي أن عمليات التفكير ما وراء المعرفي تشير إلى الضبط الإجرائي للعمليات المعرفية والتحكم الذاتي في السلوك. من هنا نستنتج أن قدرتكم على التفكير في تفكيركم والتأمل في خطواتكم وإجراءاتكم في حل المشكلات المختلفة والتعامل مع شتى المواقف هي دلالة على امتلاككم لمهارات التفكير ما وراء المعرفي.
خصائص التفكير ما وراء المعرفي
اتفقنا أن التفكير ما وراء المعرفي هو قدرة الفرد على أن يفكر بشكل أعمق في تفكيره (أفكاره الخاصة) وقد تتعلق هذه الأفكار بما يعرفه (ما وراء المعرفي)، أو ما يفعله حاليًا (مهارة ما وراء المعرفية)، أو الحالة المعرفية له (تجربة ما وراء المعرفية)، لكن أحيانًا قد يختلط عليكم التفكير ما وراء المعرفي وأنواع أخرى من التفكير ولا تستطيعون التمييز بينهم، ولمساعدتكم على التمييز بين التفكير ما وراء المعرفي وأنواع التفكير الأخرى كل ما عليكم فعله هو تحديد مصدر أفكاركم هل هي خارجية أما أنها داخلية ومصدرها تصوراتكم العقلية.
إذا كان مصدر الأفكار المعرفية هو تصوراتكم العقلية الداخلية وهذا يشمل ماذا تعرفون، وكيف تعرفونه وبماذا تشعرون نحو معرفتكم، فإن تفكيركم في هذه اللحظة هو تفكير ما وراء معرفي وليس أي نوع آخر من أنواع التفكير لذلك تم تعريف التفكير ما وراء المعرفي ببساطة على أنه “التفكير في التفكير” أو “الإدراك للإدراك.”
خصائص التفكير ما وراء المعرفي:
- هادف
- مخطط
- مدروس
- محدد
- متوجه نحو المستقبل
مكونات ما وراء المعرفة
أشارت رقية عبد العبيدي في كتاب “التفكير ما وراء المعرفي (رؤية نظرية ومواقف تطبيقية) أن للتفكير ما وراء المعرفة مكونين رئيسيين هما:
المكون الأول: معرفة ما وراء المعرفة
تشمل جزء من المعرفة المكتسبة المرتبطة بالأشياء السيكولوجية بالإضافة إلى ما تقوم به الذاكرة طويلة المدى (وهي الذاكرة التي تحتفظ بشكل دائم بالأفكار والمعلومات بشكل يجعلها ذات معنى) من استرجاع واستخدام للمعلومات الموجودة لديها في موضوع معرفي.
المكون الثاني: خبرة ما وراء المعرفة
يمكن الاستدلال عليها من خلال شعور المتعلم المفاجئ بالقلق نتيجة لعدم فهمه شيئاً ما وتشمل آراء أو مشاعر أو معتقدات تجاه موضوعات معينة.
قد يتبادر إلى أذهانكم الأسئلة الآتية:
- كيف نوظف التفكير ما وراء المعرفي في حياتنا المهنية؟
- ﻣﺎ أهميته بالنسبة لطلبتنا؟
- كيف نوظفه في غرفنا الصفية؟
باختصار، يُمثّل التفكير ما وراء المعرفي قدرتكم على وضع خطة عملكم ومراجعتها ومراقبة تقدمكم في تنفيذ الخطة وتحديد أخطاء العمل ومعالجتها والتفكير في أفكاركم قبل وأثناء وبعد العمل، ثم إعادة تقييم تفكيركم.
أما بالنسبة لأهمية التفكير ما وراء المعرفي بالنسبة لطلبتكم وكيفية توظيفه في الغرفة الصفية، تابعوا القراءة وستعرفون الإجابة.
أهمية التفكير ما وراء المعرفي
توجد العديد من الأسباب التي تدعوكم إلى تنمية التفكيرما وراء المعرفي لدى طلبة صفوفكم، منها:
- مساعدة الطلبة على التأمل في تعلمهم وتحسينه.
- مساعدة الطلاب على الاستفادة من خبراتهم السابقة والتعلم من أخطائهم السابقة.
- تحسين الأداء الأكاديمي للطلبة.
آلية توظيف التفكير ما وراء المعرفي في الغرفة الصفية
لكي تتمكنوا من توظيف التفكير ما وراء المعرفي في الصف لا بد من تقسيم أي مهمة مقدمة للطلبة إلى مجموعة مراحل وهي:
المرحلة الأولى: قبل المهمة
تتمثل في خطة الطلبة لتحقيق هدف المهمة، من خلال:
- تحديد المشكلة.
- تحديد الأهداف.
- تحديد الخطوات التي تتبع البحث.
- تحديد استراتيجيات تحقيق الأهداف.
- تحديد العقبات والأخطاء المحتملة وبدائل الحلول.
المرحلة الثانية: أثناء المهمة
تتمثل في التنفيذ الفعلي للتفكير والتعلم بطريقة منظمة، من خلال:
- تصفح مادة الدرس.
- تحديد الفكرة الرئيسة.
- التصنيف.
- عمل مذكرات توضيحية في الهامش.
المرحلة الثالثة: بعد المهمة
تتمثل في قدرة الطلبة على إصدار الأحكام على سير العمل، من خلال:
- التحقق من الأهداف من خلال طرح مجموعة اسئلة مرتبطة بالأهداف.
- دقة وصحة النتائج.
- فاعلية الاستراتيجيات المستخدمة.
- فاعلية الخطة وتنفيذها.
المرحلة الرابعة: المراقبة والتحكم
تكون هذه المرحلة خلال جميع المراحل السابقة من خلال:
- الإبقاء على الهدف في بؤرة الاهتمام لتحفيز التعلم.
- الحفاظ على تسلسل خطوات العمل.
- اكتشاف الأخطاء والتغلب عليها.
- تحديد الوقت المناسب للانتقال إلى الخطوة اللاحقة.
عندما يواجه طلبتكم بعض المشاكل في المدرسة أو خارجها كمقال باللغة الإنجليزية لا يستطيعون فهمه أو اختبار الرياضيات الذي يصعب عليهم دراسته أو قضية اجتماعية تجعلهم يشعرون بالإحباط، قد يكون من الأسهل عليهم اللجوء إلى عبارة مكونة من هذه الكلمات الأربع: “لا نستطيع فعل ذلك.”
لكن يحتاج الطلبة إلى أن يكونوا قادرين على الانتقال من الحالة السلبية “لا نستطيع” إلى الحالة الإيجابية “كيف يمكننا فعل ذلك؟”
مصباحكم السحري الذي سيحقق لكم هذه النقلة النوعية في تفكير طلبتكم هو “التفكير ما وراء المعرفي” عليكم توجيه وتشجيع التلاميذ إلى التفكير في أسباب توترهم وتحديد الذي يحبطهم ويُعيقهم وحلولهم للتخلص من هذا الإحباط والعوائق وتشجيعهم على التفكير في تفكيرهم.
يقول أفلاطون: “عندما يفكر العقل فإنه يتحدث مع نفسه” وبذلك إشارة واضحة إلى التفكير فوق المعرفي، قد تعتقدون أن التفكير ما وراء المعرفي عملية صعبة تحتاج إلى كثير من الجهد للوصول إليها، إلا أنكم ودون أن تلاحظون تفكرون أنتم وطلبتكم تفكيرًا ما وراء معرفي بشكل يومي. ألا تفكرون في مشاعركم في موقف معين؟ ألا تسألون أنفسكم لماذا شعرنا بكذا وكذا في هذا الموقف؟ ألا تفكرون في التحديات التي ستواجهكم خلال اليوم وكيفية تعاملكم معها؟ إن المحادثات التي تدور في رؤوسكم يوميًا والتصرفات الاستباقية لبعض الأحداث والمواقف هي أكبر دليل على التفكير ما وراء المعرفي.
أعزاءنا القراء
ضعوا نصب أعينكم مقولة أخصائي التعلم مارك جلادستون (Mark Gladstone):” أرى ما وراء المعرفة كهدف.”وتأكدوا أن التعود على توظيف التفكير بكافة أشكاله ولا سيما ما وراء المعرفي مبكرًا يساعد طلبتكم على أن يصبحوا متعلمين أكثر استقلالية ويعزز المهارات المختلفة لديهم كمهارة حل المشكلات ويرفع درجة الثقة بأنفسهم، لذلك اجعلوا التفكير ما وراء المعرفي هدفكم الذي تسعون لوصول طلبتكم إليه، ولتحقيق هذا الهدف بأسرع الطرق وأسهلها ننصحكم بقراءة المقال اللاحق الطريق إلى ما وراء المعرفة.