الطلبة المبدعين Creative Students
تشمل مجالات التربية الخاصة رعاية الطلبة المتأخرين أو ضعيفي الأداء، ورعاية الطلبة المبدعين والموهوبين والمتفوقين أيضًا. وتكمن أهمية رعاية الطلبة المبدعين في مساعدتهم خاصة في سن مُبكّر على إكمال النمو النفسي والجسدي لديهم بصفة عامة، ودفعهم للتفوق أكثر وإثارة دافعيتهم للتعلّم بصفة خاصة. ومن الجدير بالذكر أن هناك خطورة كبيرة قد تترتب على عدم نجاح رعاية الطلبة المبدعين، فقد تظهر لديهم الكثير من المشكلات النفسية والسلوكية كالعدوانية والتنمّر إثر عدم تلبية حاجاتهم. لذا يجب على معلميهم مُلاحظة طلبتهم بصورة حثيثة لتلبية حاجاتهم جميعاً.
مفهوم الموهبة والتفوق والإبداع
تتفق المعاجم العربية والإنجليزية من حيث اللغة على أن الموهبة (Giftedness) تعني قدرة استثنائية أو استعدادًا فطريًا غير عادي لدى الفرد، بينما ترد كلمة (Talent) إما مرادفةً لمعنى الموهبة، أو بمعنى قدرة عقلية أو بدنية تكون موروثة أو مُكتسبة. وأما الإبداع (Creativity) فهو مفهوم يُقرن بالأعمال الخارقة الخارجة عن المألوف.
بالرغم من تشابه الموهوبين والمتفوقين في الكثير من الأمور وأهمها امتلاكهم للدافعية العالية واكتسابهم لمهارات التفكير الإبداعي والخصائص الإبداعية، إلّا أن جانيية (Gagne) وضع عددًا من التوضيحات حول مفهومي الموهبة والتفوق على النحو الآتي:
- المُكون الرئيسي للموهبة وراثي، بينما المُكون الرئيسي للتفوق بيئي.
- الموهبة تُقاس باختبارات مقنّنة (مثل اختبارات القدرات والذكاء)، والتفوق يُقاس بالملاحظة المباشرة للسلوكات على أرض الواقع.
- الدافعية والإبداع سمات عامة يتسم بها الموهوبون والمتفوقون، وليست مُكونان من مُكونات الموهبة والتفوق.
- كل متفوق موهوب، ولكن ليس كل موهوب متفوق.
كيف تُحددون الطلبة المبدعين في الصف؟
يُمكن الإشارة وفقاً لجانيية (Gagne) إلى أن التفوق يُقاس بالملاحظة المباشرة للسلوكات على أرض الواقع، وأن المتفوق هو موهوب بالضرورة، ويمتلك سمات وخصائص إبداعية بغض النظر أكانت موروثة أم مُتعلّمة. لذا فالمعلمين ضمن إطارهم الواقعي في غرفهم الصفية يُمكنهم أخذ خيار وقرار القيام بأعمال واقعية وعملية تُسهّل عليهم الكشف عن المتفوقين من خلال الملاحظة المُكثّفة للطلبة في الغرفة الصفية بدلاً من أن يستعينوا بخبراء واختبارات مُقنّنة للكشف عن طلبة موهوبين وطلبة مبدعين، أو بدلاً من تكليف الطلبة بأعمال وواجبات كثيرة تزيد عن طاقتهم للكشف عن المبدعين.
هناك العديد من المُؤشرات السلوكية التي تظهر على الطلبة المتفوقين والمبدعين داخل الغرفة الصفية التي تُشير إلى الطلبة الذين حققوا معايير التفوق والإبداع، وقد يبدو بعضها غير مرغوب به بالنسبة إليكم كمعلمين ولكن ينبغي عليكم تفهّمها ورصد مدى تكرارها لدى الطلبة للكشف عن هويتهم الإبداعية ورعايتها لاحقًا. ومن أبرز هذه المؤشرات السلوكية التي تظهر لدى الطالبة المبدعة أو الطالب المبدع الآتي:
- يسألون الكثير من الأسئلة ويبدون فضوليين.
- يمتلكون كمًا هائلًا من المعلومات.
- لديهم ذاكرة جيدة.
- يتعلّمون المعارف الجديدة ويحتفظون بها بسرعة.
- يُتقنون مهارة القراءة مُبكّراً ويظهرون قدرة على سرد قصص متنوعة.
- يُظهرون قدرة رياضية قوية.
- يُكملون الواجب الصفي بسرعة.
- تحصيلهم الأكاديمي غير عادي.
- يستخدمون مهارات التفكير العليا (التحليل والتركيب والتقويم).
- يصنعون روابط بين أفكار ومعلومات لا يراها زملاؤهم الطلبة.
- يستخدمون عددًا من الطرق غير مألوفة لحل المشكلة.
- لديهم حس متقدم من الدعابة.
- لديهم مهارات متقدمة في الكتابة والتعبير.
- حسّاسون لمشاعر الآخرين.
- يتوسّعون في الفكرة.
- يُظهرون مهارات فنية جيدة (مسرح، رسم، موسيقى، شعر.)
ما هي النواحي التي يجب الانتباه إليها لرعاية وتنمية الطلبة المبدعين؟
تُركّز خطة الدرس في غالب الأحيان على اهمية تحقيق النتاجات التعليمية بشكل شمولي لجميع الطلبة دون الاهتمام بالطلبة ضعيفي الأداء أو الطلبة المتفوقين بصورة حصرية. وبالرغم من الاهتمام المتزايد في مجال التربية والتعليم بالطلبة ممن يتمتعون بالموهبة والإبداع، إلّا أن نصيب الطلبة المبدعين والمتفوقين في الغرفة الصفية لا يزال لم يأخذ حقه على أكمل وجه، مما يُثبّط من دافعيتهم للإبداع ويقلل من تطور مهاراتهم. لذا يجب على المعلمين بشكل عام ومعلمي الصفوف الأولى على وجه الخصوص ربط نجاح خططهم بتركيز انتباههم إلى بعض العوامل التي تُؤثّر بشكل كبير في رعاية الطلاب المبدعين وتحفيزهم للحصول على النتائج المنشودة وهي:
أولاً: التحضير للدرس (Preparing a Lesson)
يُقال في مجال التربية والتعليم: “أفضل الدروس تلك المخطّط لها جيداً.” لذا عزيزي المعلم، عزيزتي المعلمة، عليكم الحرص على أن تُخططوا لرعاية طلبة مبدعين قبل ذهابكم للحصص الصفية، ويجب عليكم للمُضي قُدماً في رعاية المبدعين التخطيط لمكونات مُعيّنة في الدرس على النحو الآتي:
- الاتساع (Breadth): خطّطوا لمهمات تحثّ الطلبة على الخروج إلى سياقات خارج الغرفة الصفية والمنهاج.
- العمق (Depth): وضحوا النتاج والمعنى من مادة التعلّم في المنهاج.
- التسارع (Acceleration): ادرسوا جيداً مواضع الدرس التي تحتاج إلى وقت وتركيز كبيرين، والمواضع الأخرى التي يُمكن المرور عليها بسرعة لكي لا تُسبّب الملل لأنها ستعمل على فقدان الاهتمام لهؤلاء الطلبة.
- الاستقلالية (Independence): إدارة وربط محتوى التعلّم بحياة الطلبة وأهدافهم الشخصية.
- التأمّل (Reflection): شجّعوا الطلبة على التأمّل في تعلّمهم و التميز بالتعبير عن فهمهم له أمام زملائهم.
ثانيًا: مُراعاة العمق والاتساع (Depth and Breadth) في المادة التعليمية
ينبغي على المعلمين تكليف الطلاب بمهَمات يسودها روح التحدي حيث يميل الطلاب إلى فهم الصورة الكبيرة لمعرفة النتاج من التعلم والسياق الذي يُطبق فيه التعلّم. لذا يُمكن لمعلم اللغة العربية للصف الثالث تكليف الطلاب بكتابة جمل مفيدة من مجموعة كلمات مختلفة (مثل: المنزل، أمي، أساعد، في، النوم، من، مبكراً، أستيقظ، الأكل، يدي، أغسل، قبل) الجمل المفيدة: أساعد أمي في المنزل. أستيقظ من النوم مبكراً. أغسل يدي قبل الأكل.) ويُلاحظ المعلم هنا تفاعل الطلبة مع هذا النشاط ليجد من تعمّق في معنى الجمل والكلمات، ومن توسّع في الكلمات والجمل إلى سياقات أخرى.
ثالثًا: مُراعاة الفروق الفردية والتمايز (Differentiation) في تنفيذ الحصة الصفية
من اليوم عليكم أعزاءنا المعلمين تذكر أن الطلبة المبدعين يحبون التنويع في الأنشطة المقدمة ضمن المجال العلمي أو الفني أو الرياضي ويملّون من تكرارها، والتمايز هنا لا يعني التنويع في الأنشطة وحسب وإنما دور التنويع في كل شيء يقوم به المعلمين لمراعاة الفروق الفردية بين الطلبة. لذا يجب على المعلمين التنويع في:
- النتاجات التعليمية ومستوياتها.
- المَهمات والأنشطة ودرجة صعوبتها.
- أساليب التدريس.
- طرق متابعة الطلبة.
يُقال في التربية: “الحصة الجيدة هي التي تسمع فيها المعلم يقول “فكّر في ذلك.” لذا يجب على المعلمين تعليم التفكير أيضاً لطلبتهم إلى جانب المنهاج من أجل ضمان تعلّم أفضل للمناهج التربوية، ومن أبرز مهارات التفكير التي يجب على المعلمين تنميتها لدى طلبتهم معالجة المعلومات، والاستقصاء، والتفكير الناقد، وحل المشكلات، والتفكير الإبداعي، وغيرها. ومن أهم الأمور الواجب اتباعها لمخاطبة وتنمية مهارات التفكير لدى الطلبة الآتي:
أولاً: التركيز على طرح الأسئلة (Questioning)للتأكد من فهم الطلبة
من أهم الوظائف التي يقوم بها المعلمين من خلال الأسئلة التأكد من فهم الطلبة، وذلك يُيسّر على المعلمين عملية التدريس وعلى الطلبة التعلّم. لذا احرصوا معلمينا الأعزاء على التخطيط أيضاً للأسئلة والتنويع فيها من حيث درجة صعوبتها ومن حيث تصنيفها على هرم بلوم لمراعاة الطلبة المتميزيين علميا أو فنيا أو رياضيا.
ثانيًا: مُراعاة مستويات هرم بلوم (Bloom’s Taxonomy) المختلفة في العملية التعليمية التعلمية
تم تناول مهارات الأسئلة وأهمية التنويع فيها من حيث تصنيف هرم بلوم في النقطة السابقة، وفي هذه النقطة ينبغي على المعلمين المداومة على الأخذ بعين الاعتبار المزيد من مستويات هرم بلوم وعدم التركيز على بعض منها فقط مع مراعاة كيفية تنظيم التسلسل في طرح التعلّم من خلالها بهدف تنمية تعلم الطلبة ضمن أكثر من مستوى، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الآتي:
- المعرفة: ماذا؟ من؟ أين؟ متى؟ صف، حدّد
- الفهم: لماذا؟ كيف؟ اشرح، علّل، فسّر
- التطبيق: طبّق، عدّل، انتج، اكتشف، جرّب
- التحليل: قارن. صنّف. ميّز. فرّق
- التقويم: قيّم، استنتج، ثمّن،. برّر، لخّص
- الابتكار: صمّم، ألّف، أرسم، نسّق، ابنِ، قدّم
اكتشاف الطلبة المبدعين
يُكتشف الطلبة المبدعين بواسطة ثلاث طرق والمعلمين هم الطرف الأساسي فيها:
أولًا: عن طريق المعلم والملاحظة
أن يكون المعلم قوي الملاحظة أثناء الدرس وفي تعامله مع الطلبة في مواقف متنوعة أثناء بطولات الرياضة التي تقام بشكل دوري بين المدارس أو أثناء الرحلات أو المسابقات.
ثانيًا: المعلم والأنشطة
أن يقوم المعلم بإعداد أنشطة التعليم بشكل مختلف والتي يشترك فيها عدد كبير من طلبة المرحلة الثانوية أو الابتدائية كالتمثيل والموسيقى وأثناء ذلك يكتشف المعلم طلاب موهوبين في المجالات العلمية والفنية وغيرها.
ثالثًا: المعلم وعلاقته بأولياء الأمور
لهذه العلاقة الأثر الواضح والعامل المساعد على اكتشاف موهبة الطلبة، فأولياء الأمور يتقاسمون المسؤولية مع المدرسة (School) والمعلمين في دعم تعلم طلبتهم وذويهم واكتشاف المواهب لديهم وتنميتها، ولهذا أثر في اكتشاف عدد كبير من الطلبة المبدعين والمخترعين أيضًا.
وفي ختام المقال، يحتاج الطلبة المبدعين ليكونوا مؤثرين إلى معلمين لا يتوانوا عن البحث عن كل ما هو جديد، مع التركيز على دور التطبيق العملي في تعلم الطلبة، والاستفادة من التقنية والعلوم الحديثة والبحث عن التجديد والابتكار والتميُّز، وإثراء البيئة الصفية مما يفتح آفاق الموهبة والابداع أمام الطلبة المبدعين وتميز قدراتهم، وتذكروا دائمًا أنه يقع على عاتقكم كمعلمين في وزارة التربية والتعليم العطاء وبذل قصارى جهودكم لرعاية الطلبة المبدعين والمبتكرين في صفوفكم فهم ثروة حقيقية في رصيد المجتمع.